كنيسة ام الاحزان .. تبعث الحياة مجددا في نفوس مسيحيي بغداد من مختلف مناطقها

تقرير/ ايسر الصندوق

رغم ان مسيحيي المنطقة من حولها، هاجروا او هجروا، الا ان القداس لم يغب عن كنيسة “أم الاحزان”، التي جاء اليها المسيحيون من مناطق بغداد المختلفة، لما لها من خصوصية “المكان الذي يبعث الامل في الحياة وذكريات الاهل”، بحسب الزائرين.

وخلال القرون المسيحية الاولى اتخذ الاباء البطاركة مقراً لهم في عاصمة الدولة الساسانية التي كانت ساليق وقطيسفون (سلمان باك الحالية) فانتقلوا اليها واول بطريرك نقل كرسيه اليها هوالبطريرك مار طيمثاوس الاول الكبير الى قصر منحه اياه الخليفة العباسي آنذاك وسكن خلفاؤه فيها حتى عام 1294، ومن كنائس الابرشية كاتدرائية كانت هي “ام الاحزان” في منطقة الشورجة، وفقا لما جاء في دليل الكنيسة الكلدانية الصادر عام 2018 عن اسقفية ابرشية بغداد البطريركية.

فيصل توما (60) عاما، كان قادما من منطقة الدورة، حي الاثوريين، اكد بان “الطقوس في هذه الكنيسة، لن تختفي. فقد كان لنا ولاهلنا حضور في جميع الكنائس ومنها كنيسة ام الاحزان في فترات سابقة في القداس وطلب النذور ووضع الصليب على صدورنا لطلب العون والتبرك به، وهذا ما كان يميز كنيسة ام الاحزان لدى العوائل البغدادية المسيحية، موضحا بالقول: “انه المكان الذي يبعث الامل في الحياة وذكريات الاهل”.
ويضيف توما ان اغلب كنائس منطقته الاصلية غابت عنها طقوسها، بسبب انحسار اعداد المسيحيين فيها، وهذا ما يدعوهم الى التجمع في كنيسة واحدة من اجل القداس الذي بات يقتصر على المناسبات والاعياد على خلاف ما كان عليه في السابق.
وبحسب مفوضية حقوق الانسان فقد كان عدد المسيحيين الساكنين في عموم العراق يبلغ مليون و500 الف، لم يتبق منهم سوى 250 الف مسيحيا اليوم، بعد قتل اكثر من الف و 315 مسيحيا بين عام 2003 و2015، وتهجير وهجرة الاخرين.

وفاء يعقوب (45 عاما) تحدثت هي الاخرى بقولها: “ونحن نرتاد اسواق بغداد القديمة لا بد من زيارة الى كنيسة (ام الاحزان)، فقد دفن فيها من اقاربنا منذ زمن طويل ولنا زيارات قديمة مع الاهل في اداء الطقوس وايقاد الشموع”، مبينا ان هناك من يحضر لهذه الكنيسة من مناطق بعيدة فهي لها الاثر القديم لدى المسيحين الكلدانيين في بغداد القديمة.
وهنا يوضح الاب مارتن بني راعي كنيسة مريم العذراء في شارع فلسطين، ان “كنيسة (ام الاحزان) تعد اقدم كنيسة كلدانية موجودة في بغداد في العصر الحديث اذ بنيت عام 1843، وهي مبنية على الطراز الشرقي القديم والريازة الكنسية القديمة وكانت مقرا للاحتفالات والطقوس التي كان يقوم بها غبطة البابا رئيس الكنيسة في السنوات الماضية”.
وبين بني ان “الكنيسة لم تشهد في هذه الايام قداس مستمر بسبب وجودها في منطقة غير صالحة لارتياد المؤمنين للكنيسة وازدحام الاسواق وانحسار الكنيسة وسط هذه الاسواق/ ولكن مع ذلك تقام بها القداديس الكبيرة والمناسبات الكبيرة التي تخص الكنيسة فهي تاريخ وتراث لنا”.

قداس عيد مارتوما

ومع كل الظروف التي تحيط بالكنيسة، فقد شهدت “ام الاحزان” اقامة قداس بمناسة عيد مار توما الرسول الذي استمر ساعة ونصف عصراً.

بدوره، يرى الباحث التراثي والحقوقي طارق حرب انه “لابد ان تكون كنيسة ام الاحزان جزءاً من التراث البغدادي القديم الذي نعتز به لان عدد الكنائس التراثية في بغداد قليلة جداً”.
ويفصل حرب في قوله: “كنيسة ام الاحزان من الكنائس القديمة ولا بد ان تحظى برعاية تختلف عن غيرها من التراث البغدادي كونها تمثل الاصالة المسيحية في بغداد القديمة ويجب المحافظة عليها والمحافظة على التنوع السكاني، وهي جزء كبير ومهم وليس عادي من هذا التراث، خاصة وانها في قلب بغداد”، متسائلا عن اسباب عدم دعم ممارسة النسك الدينية فيها بشكل مستمر.
وشدد حرب على ضرورة ان تقدم هذه الكنيسة الى منظمة الامم المتحدة للثقافة والتعليم (اليونسكو) وتدرج ضمن المواقع التراثية في بغداد.

قبة يميزها الصليب

من جانبه، يجد استاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل ابراهيم خليل العلاف، ان
ما يميز هذه الكنيسة انها كانت مبنية بطراز معماري فذ فهي تضم (المذبح) و(المنبر) و(القبة) والاواوين والاعمدة المعماري، فضلا عن الكتابات على جدرانها، لكنه يستدرك متحسرا، “للاسف، انها اصبحت محاصرة بالمحلات التجارية.
ويعتقد العلاف ان الكنيسة تضم رفات البطريارك مار بولص شيخو ، وهو الشخص الذي له الدور الكبير في ربط الكنيسة بما يجاورها من الاحياء وابرز هذه الاحياء ما يعرف في بغداد رسميا بـ(عكد النصارى) والعكد ليس الا (المحلة) او بلغة يومنا هذا (حي).

هذا وتعلو الكنيسة قبة يميزها الصليب الذي يظل شاهدا على ما قدمه المسيحيون للعراق بلدهم من خدمات في كل مجالات الحياة السياسية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. / انتهى 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *