السلوك المنفلت وصيام الروح في رمضان


بقلم: اللواء الدكتور سعد معن الموسوي

في شهر رمضان، نُمسك عن الطعام والشراب، لكن الأهم أن نُمسك عن الغضب، عن الأحقاد، عن كل ما يُفسد أرواحنا قبل أن يُفسد مجتمعاتنا. فما فائدة الصيام إذا كان البعض لا يزال يعبّئ صدره بالحقد، ويترك السلاح وسيلة لحلّ الخلافات، ليحصد أرواح الأبرياء في لحظة تهور؟

استشهاد ليث محمد رضا في مشاجرة انتهت بإطلاق نار في بغداد ليس مجرد حادث عابر، بل هو جرس إنذارٍ يدعونا جميعًا—حكومةً وشعبًا—للتكاتف في مواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الأمن المجتمعي. الدولة تبذل جهودًا كبيرة لضبط السلاح ، لكن المسؤولية لا تقع عليها وحدها، بل هي مسؤولية الجميع، إذ لا يمكن أن ينعم وطنٌ بالأمان ما لم يدرك أبناؤه أن الأمن يبدأ من وعيهم وسلوكهم واحترامهم للقانون.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: “إياكم والغضب، فأوله جنون وآخره ندم.” فكم من حياةٍ أُزهقت في لحظة تهور، وكم من أسرةٍ وجدت نفسها في مأساة بسبب قرارٍ خاطئ اتُّخذ تحت تأثير العصبية؟ إننا بحاجة إلى وعيٍ مجتمعي يُدرك أن السلاح ليس أداةً لحل الخلافات، بل وسيلة لحماية الوطن عندما يكون في يد الدولة، وفق القانون والضوابط التي تحفظ الأمن للجميع.

رمضان ليس شهر الصيام عن الجوع والعطش فقط، بل هو صيامٌ عن العصبية، عن العنف، عن النزاعات التي تحوّل مجتمعاتنا إلى ساحات دماء. وما أحوجنا اليوم إلى صيامٍ حقيقي، صيامٍ عن الأذى، عن الفوضى، عن كل يدٍ تضغط على الزناد بدل أن تمتد للمصافحة، لنبني وطنًا آمنًا يتسع للجميع.

الدولة، بقيادتها وأجهزتها الأمنية، لن تدّخر جهدًا في ضبط الأمن وملاحقة من يعبثون باستقرار المجتمع، لكن المسؤولية تضامنية، تتطلب من الجميع أن يكونوا عونًا في حفظ السلم، وأن يُدركوا أن الأمان ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو التزامٌ وطنيٌ وأخلاقيٌ يقع على عاتق كل فرد.

كفى للرصاص، كفى للعصبية، ولنكن جميعًا شركاء في الحفاظ على هذا الوطن، فالأمن هو مسؤولية الجميع، ونجاحه يعكس وعي المجتمع والتزامه بقيم الدولة التي تسعى دائمًا إلى حمايته.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *