الـ PKK نحو الزوال وتفكيك ارتباطاته “الخطرة” في العراق

بقلم: سارة العزاوي

لا يمكن لك ان تكون مدافعا عن حق ما، وتقتل الابرياء، وتهجرهم او تمنعهم من العودة الى بيوتهم آمنين، وإن فعلت ذلك فانت أرهابي من دون شك، وتحاول اللعب على مشاعر البسطاء على حساب دماء العراقيين والاتراك بل وحتى السوريين معاً.

هذا ما يمكن لك ان تشاهده في مناطق سيطرة التنظيم المسلح المسمى بـ”حزب العمال الكردستاني – PKK”، وهو التنظيم الذي بنى عقيدته على اساسين اثنين: السلاح والمخدرات، لتحقيق هدف “التمكين والسيطرة”.

السياق التاريخي

تأسس حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لأول مرة في أوائل الثمانينيات، وباشر بعمليات مسلحة ضد تركيا. وبحلول عام 1984، أطلق حركة مسلحة تهدف لـ”إنشاء دولة كردية مستقلة” في جنوب شرق تركيا.

وبعد أن فقدت بغداد السيطرة على كردستان العراق في أعقاب حرب الخليج بين عامًي 1990-1991، فشل الحزب الديمقراطي الكردستاني في منع حزب العمال الكردستاني من توسيع نطاق وجوده المحلي. وعلى مر السنين، أجرى الجيش التركي عمليات ضد المجموعة، التي تحركت جنوب الحدود ورسخت وجودها في كارا وجبال قنديل وسنجار.

وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، واصل حزب العمال الكردستاني هجماته على تركيا من شمال البلاد. وفي الواقع، كما توقعت أنقرة، نمت أنشطة حزب العمال الكردستاني نتيجة للحرب التي قادتها الولايات المتحدة.

وما يزيد الأمور سوءاً هو أنه بعد اندلاع الأزمة السورية في عام 2011 والصعود الكبير لتنظيم “داعش” الارهابي في عام 2014، أصبحت وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني شريكًا مهمًا للولايات المتحدة، تمده بالدعم اللوجستي وتوفر له اسلحة متطورة عما كان لديه.

تمدد التنظيم

من هنا بدأت تطورت لده فكرة “التمكين والسيطرة”، لانه بعد الأحداث التي شهدتها سوريا في عام 2011، قام حزب العمال بتشكيل حزب اخر يمثل امتداد له في المناطق الشمالية لسوريا، وهو “حزب الوحدة الديمقراطية” السوري (PYD)، وقد استفاد من الامكانات التي حصل عليها PYD من المجتمع الدولي بزعم انه يحارب “داعش” الارهابية.
واعقبت ذلك منظمة PKK بدخولها في هذه الوتيرة في صراع من اجل زيادة فعالياتها وتاثيرها في العراق وسعيها لخلق ساحة للتحرك وتوسيع تلك الساحة في البلاد.
وبنتيجة استيلاء داعش على مدينة الموصل العراقية في حزيران/ يونيو من عام 2014 وما تلاه من حالة عدم الاستقرار وفراغ السلطة والحكم في العراق، فقد تمكنت منظمة PKK من خلق موطئ قدم لها في الأراضي التي تتحكم فيها ادارة اقليم كردستان العراق والتي تشكّل خطا يبدأ من مدينة سنجار الواقعة في الشمال الغربي من العراق ويمتد حتى مدينة خانقين الواقعة في شرقي بغداد.

سنجار وخط تجارة المخدرات

ونتيجة لذلك، تعيش منطقة قضاء سنجار، غربي مدينة الموصل العراقية، حالةً من الفلتان الأمني والتشتت السياسي، عدا عن المواجهات العسكرية بين القوات العراقية من جهة ومقاتلي ما يُسمى بـ”وحدات حماية سنجار” التابعة لتنظيم PKK ، بين الحين والاخر.

ويتخذ تنظيم PKK واذرعه (وحدات حماية سنجار) و(إيزيدي خان)، من سنجار موطئ قدم للتمدد الى وسط وجنوب العراق، وفي الوقت نفسه، يسيطرون على سنجار لاستثمار موقعها الاستراتيجية في طرق النقل الدولية، وتمرير تجارتهم بالمخدرات، التي تعد المصدر الاول في تمويل نشاطاتهم الارهابية المسلحة في كل من تركيا والعراق وسوريا.. بالاضافة الى خط تهريب النفط والسلاح اللتان يتاجر بهما مع شركائه المحليين في العراق.

ومن اجل ذلك، يمنع هذا التنظيم عودة الحياة المدنية إلى قضاء سنجار، ويعطل اي اتفاق سياسي او امني لاعادة النازحين وبدء عمليات اعادة اعمار المدينة، لأنه يرى في سنجار مكسب جيوسياسي بالاضافة الى انها مكسب ستراتيجي.

وكي يتمكن من بسط نفذه واستدامته في سنجار، عقد صفقة مع فصائل مسلحة محلية، تتضمن المشاركة في تجارة السلاح والمخدرات عبر سنجار، مقابل ابقاء ادارتها بيد الجهات التي تتبع حزب العمال الكردستاني، بافراده العراقيين الذين ينفذون الاجندة لحزبهم فقط.

وخلال هذا الحلف، قام الحزب ايضا بتشكيل مجلس محلي من ايزيديين تابعين لقوات الـ”يبشة” والموالين الاخرين للعمال الكردستاني، كي يقطع الطريق على مبادرات الحكومة العراقية باعادة النازحين من سنجار الى مدينتهم.

تهديد الامن القومي

توسع تهديد الـ PKK الإرهابي الى ابعد من تركيا، واصبح يهدد الامن القومي الاقليمي باكمله، والعراقي بدرجة اعلى، خاصة وانه بات يسيطر على مناطق غربي الموصل وقضاء سنجار وناحية القحطانية التابعة لقضاء البعاج وصولاً إلى الطريق الرابط مع سوريا، ويتحكم بآلية صنع القرار فيها مدنياً وعسكرياً.

بل حتى ان مسلحي تنظيم PKK افتتحوا مؤخراً سجناً خاصاً بهم في بلدة سنوني، وهو الثالث من نوعه لإيداع من يُعتقل أو يُحقق معه، وهذا السجن يخضع لممارسات وحشية وغير إنسانية بحق مواطنين عراقيين أودت بأحدهم إلى الوفاة تحت التعذيب، وفقا للمصادر المحلية.

وإلى جانب وجود عملية تجنيد واسعة للأطفال الذين يتم تدريبهم في إقليم سنجار، وتصل أعدادهم إلى 240 طفلاً، ما يعني صناعة وتجهيز قنابل موقوتة تهدد بانفجارها باي وقت.
ويخطط هذا التنظيم الى جعل العراق قاعدة لتدريب وتجهيز وتمكين كوادره وعناصره، ويرى انها ارض تمكين للتوسع اكثر داخل العراق وما حوله من تركيا وسوريا بالدرجة الاساس، وهذا ما يهدد وجود الدولة العراقية.

موقف العراق الحاسم

على الرغم من ان PKK مد اذرعه الخبيثة للتعاون مع فصائل مسلحة نافذة في العراق لتوفير الغطاء والحماية له، لكن الحكومة العراقية اكتشفت كل مخططاته واستشعرت خطورته بشكل جلي وواضح، واتخذت قراراً تاريخياً في آذار 2024، حين عدت حزب العمال الكردستاني، تنظيماً ارهابياً محظوراً في العراق.

وهذا الاعلان، اطلق يد الاجهزة الامنية المختصصة في العراق، الى جمع المعلومات وتجهيز خطتها متعددة المحاور لانهاء وجود التنظيم الارهابي داخل الاراضي العراقية.

احدى تلك المحاور، تتمثل باعادة سيناريو اجلاء منظمة خلق الارهابية من الاراضي العراقية، بالتنسيق مع الدول الاوروبية التي تدعمها.. وبهذا الجانب يتم التواصل مع الجانب الالماني الذي يرعى اغلب قيادات التنظيم الارهابي لحزب العمال الكردستاني.

وفي محور اخر، تنسق القوات العراقية مع نظيرتها التركية، للتجهيز لعملية مشتركة في الاشهر المقبلة، تهدف الى خلق منطقة عازلة على الحدود العراقية التركية، تكون القوة الماسكة فيها، قوة اتحادية تتعامل مع حزب العمال على اساس انه تنظيم ارهابي.

وهناك محاور اخرى، تشمل التعاون الاستخباراتي بين بغداد وانقرة، لتحييد او اعتقال القيادات المتخفية لهذا التنظيم في المدن العراقية المختلفة، وايضا لتجفيف منابع تمويله.

ومن الواضح ان هذه المرحلة، ستشهد نهاية عصر الـ PKK، وبدء عهد التنمية والبناء في مناطق سيطرته، خاصة وانها تقع على مسار مشروع التنمية، الذي تبنته حكومة السوداني الحالية، وعقدت اتفاقا رباعيا مع تركيا والامارات وقطر، لتفعيله وازالة كل العوائق التي تقف في طريقه، وبمقدمتها تنظيم PKK الارهابي، وهو ما يفسر التنسيق المتسارع والتحشيد جنوب تركيا بالتعاون مع القوات العراقية التي باشرت بوضع خطة التدخل بالوقت المناسب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *