فتحت العلاقات التركية -العراقية صفحة جديدة على أنقاض خلافات حادة وتوترات سابقة واتهامات بانتهاك السيادة الوطنية، وبلغت مدى متقدما مع طلب تركي من بغداد بالمشاركة في عملية عسكرية موسعة داخل الأراضي العراقية تعتزم إطلاقها هذا الربيع لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، والذي تصنفه جماعة إرهابية، فيما رآه مراقبون اختبارًا جديدًا لموازين مثلث بغداد – أنقرة – طهران.
وزار مسؤولون أتراك، بينهم هكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالين، أمس الخميس، العراق للمشاركة في اجتماع أمني، في سياق تعاون مع أنقرة التي تهدد بتشديد عملياتها ضد المقاتلين الأكراد الذين لجأوا إلى شمال العراق.
وحسب تسريبات إعلامية، فإن “وزيرا خارجية ودفاع تركيا أبلغا الجانب العراقي خلال اجتماعهم بأن أنقرة أكملت تحضيراتها لشن عملية عسكرية موسعة هذا الربيع داخل الأراضي العراقية لمطاردة (مقاتلي) حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وبعمق قد يتجاوز 40 كيلو مترا”.
ويشرح الخبير الأمني جبار ياور، الأمين العام لوزارة البيشمركة، لوكالة أنباء العالم العربي بالقول ان “القوات التركية تستعد إلى عملية عسكرية واسعة ستطلقها قريبا وتستمر حتى الصيف لفرض ما أسمته الطوق الأمني بعمق 40 كيلومترا وعلى طول الحدود مع العراق”.
سيادة العراق
ويرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية الدكتور غازي فيصل، أهداف حزب العمال الكردستاني التركي أو (بي كي كي) هي أهداف إقليمية وتهدد الأمن الإقليمي في تركيا والعراق وسوريا، في محاولة لإنشاء دولة كردستان في قلب الشرق الأوسط، وهو ما يخلق أزمة عميقة في العلاقة بين الحزب وتلك للدول.
وأضاف المحلل السياسي العراقي أن حزب العمال الكردستاني التركي لا يطرح الوضع الاقتصادي والسياسي وحقوق الأكراد ضمن أجندته، ولكن يجنح إلى مشروع إقليمي خاص، وبأطراف أخرى بما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة في حماية وحدة الأرض للدول وسلامة الحدود.
توتر قديم في العلاقات بين العراق وتركيا
ومرت العلاقات بين الجارتين خلال السنوات الماضية بنوبات توتر عميقة، إذ كثفت أنقرة عملياتها عبر الحدود ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في المناطق الجبلية بشمال العراق، الذى رأى في تلك العمليات انتهاكًا لسيادته، لكن أنقرة قالت إنه يجب أن تحمي نفسها وحذرت من توغل جديد.
ويختلف الجانبان أيضًا بشأن استئناف صادرات النفط من خط أنابيب النفط الخام الذي يمتد من العراق عبر تركيا، والذي تقول أنقرة إنه جاهز للعمل لكن بغداد لم تستأنف عملياته بعد.
الحوار أولاً
وبعد توتر كان سيد الموقف بين البلدين، حل التقارب خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ شدد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في لقاء مع وزير الدفاع التركي يشار غولر في فبراير الماضي، على أن حل الأزمات يكون بالحوار وليس بخرق سيادة الدول وإضرار مواطنيها، في إشارة منه إلى الضربات التركية الأخيرة على مواقع لحزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية والتي استفزت بغداد إلى حد كبير.
ونقل بيان الرئاسة العراقية وقتها عن رشيد تأكيده لوزير الدفاع التركي ضرورة حل المشاكل الحدودية والملفات الأمنية بين البلدين عبر التعاون والتشاور والتنسيق المتبادل، وتشكيل لجان أمنية من الجانبين لتحديد المشكلة ووضع الحلول اللازمة لها.
تمهيد سياسي
وتوج التطور النوعي في العلاقات مع استقبال وزير الخارجية فؤاد حسين الخميس وفدا برئاسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين في بغداد لعقد قمة أمنية يحضرها أيضا وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ووزير داخلية إقليم كردستان بابير أحمد ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
ويشير المحلل السياسي العراقي غازي فيصل إلى أن حزب العمال هو حزب ماركسي إسلامي على غرار تنظيم مجاهدي خلق الإيراني، والواقع لا يوجد انسجام بين النظرية الماركسية في تطور المجتمع والفكر الإسلامي، خاصة الإسلام السياسي.
وأكد المحلل السياسي أن الاجتماعات الأخيرة بين وزراء الدفاع والأمن والاستخبارات في العراق وتركيا تأتي في سياق دعم الجهود المشتركة بين البلدين لمواجهة انتشار حزب العمال في جبل سنجار والمناطق الحديدية مع تركيا.
ولفت إلى أن الدستور العراقي لا يسمح لأي تنظيمات بتهديد الأمن والاستقرار في دول الجوار، وما يقوم به الحزب في تركيا وسوريا يُعد تدخلاً خطيرًا في دول الجوار الإقليمي، وهو يبحث عن انفصال المناطق الكردية المختلفة، وفي حالة مواجهة مسلحة مع دول الشرق الأوسط.
مثلث ملتهب
لكن هذا التقارب بين أنقرة وبغداد، والعملية العسكرية المرتقبة ضد العمال الكردستاني يطرح تساؤلات بشأن موازين القوى مع الجانب الإيراني.
ويستبعد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني على رجب أن تأتي هذه العملية على حساب العلاقات الإيرانية العراقية، بل على النقيض هذه العملية العسكرية المزمعة تخدم الاستراتيجية الإيرانية التركية في مواجهة الفصائل الكردية المناوئة للبلدين على الأراضي العراقية خاصة في المناطق الحدودية بكردستان وتركيا وايران وهو مثلث ملتهب ووعر التضاريس.
بل ويشير رحب إلى أن “هذه العملية تخدم أيضا الجانب الايراني الذي دائما يستهدف العناصر الكردية المعادية لطهران بالصواريخ، دون وأن يحرك العراق ساكنا”، مختتما بأن “ليس أمام بغداد من خيار سوى التعاون مع الدولتين”.
في المقابل شدد الخبير العراقي على ضرورة وجود تنسق بين إيران وتركيا في مواجهة أهداف الحزب التوسعية، لكنه استدرك “يبدو أن إيران تسعي عبر ميلشياتها لدعم حزب العمال الكردستاني خاصة في جبل سنجار بغية السيطرة مستقبلا على مناطق استراتيجية عراقية وتحويل سنجار تحديدا إلى نقطة تحول استراتيجي إلى سوريا وثم جنوب لبنان لخلق ممر استراتيجي لنقل الأسلحة لميليشاتها وهو حزام إيراني لدعم الميليشيات التابعة لها”.
ويري المحلل العراقي أن الحرب التي تشنها تركيا يحب أن تكون مدعومة من بغداد استخباراتيا ولوجوستيا وأمنيا وعملياتيا وعسكريا والسبب من وجهة نظر أردوغان في مواجهة الحزب هو تأمين طريق التنمية للاقتصاد العراقي والتركي والسعودي والخليجي وهو طريق يدر 7 مليارا دولار للعراق سنويا كما أن حزب العمال الكردستاني يقف حائلا نحو تحول العراق اليوم نقطة استراتيجية في الممر التجاري.
وأوضح فيصل أن تركيا أكدت على لسان الرئيس أردوغان أنها ماضية لإنشاء الحزام الأمني على الحدود مع العراق الذي سيمتد لأكثر من 40 كيلو متر لمواجهة الحزب في مناطق على الحدود العراقية الإيرانية.
كما كشف أن هناك ملف آخر وهو الاكثر أهمية من وجهة نظر العراق وهو ملف أمن المياه وهو تحدي خطير والسعي للتوفيق مع تركيا للحصول على المياه وعدم وصول العراق للتصحر، ما يمكنها من تحقيق الأمن المائي والغذائي والأمن الاقتصادي والأمن الحدودي عن طريق إخراج التنظيم الإرهابي وفق تعريف الأمم المتحدة.
إضافة إلي هذه الملفات هناك الملف التجاري بين العراق وتركيا والذي يصل التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنوياً وهو الملفات المهمة للعراق في الصناعة والمنتجات الزراعية.