رئيس وزراء العراق ورجاله

بقلم : د. خالد قنديل

بعد عقودٍ من الأزمات المتتالية، والمشاق الكفيلة بتقويض أركان دول كبرى، يقف العراق الشقيق الآن شامخًا مثل نسر محلقٍ أعلى سنام واقع جديد ومغاير، ليطأ جراح وأزمات الماضي بأقدام راسخة، ويتجاوزها محلقًا في سماوات الاستقرار الأمني والسياسي، بل ومتطلعا بثقة لاجتياز الحواجز كافة، ليتبوأ مكانته التاريخية والجغرافية والحضارية كلاعب فاعل في مضمار السباق العالمي، بل والوقوف في المستقبل القريب على مسافة متساوية من القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى والمؤثرة في العالم أجمع.
ولعل جميع المراقبين للشأن العراقي الذين ينظرون بموضوعية إلى هذا الواقع، أي تمتد رؤاهم من عدسة الماضي إلى أفق الساعة، يتأكدون باليقين رسوخ هذه العزيمة لدى الدولة العراقية التي استفاقت من فجوات التاريخ القديم والحديث معًا، بالتخلص من جميع الآفات التي طالتها منذ الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن المنصرم، ثم الاحتلال الأمريكي والبريطاني حديثًا، والذي فاقت جرائمه في حق أبناء الشعب العراقي أي تصور، ساعيًا إلى تفكيك الدولة الوطنية ومؤسساتها على المستويات السياسي والأمني والعسكري، حتى تحول العراق في وقت ما إلى مرتع للجماعات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة. وليتجه إلى دوامة من الصراعات الداخلية سواء دينية وعرقية وطائفية ومذهبية، ويصير عرض لتدخلات الخارج إقليميا ودوليا، وصولا لاستباحة حدوده وسيادة الدولة واستقلالها.
وبعد تجدد أزمات الداخل جاء إلى الأفق الناصع رجال صهرتهم التجربة وصنعهم التاريخ، رجال فهموا أبعاد الدولة مدركين لقيم الوطنية والحرية والديمقراطية، فسعوا بكل ما أوتوا من إخلاص غير مدخرين لجهدٍ إلى نهضة العراق الوطن العربي الأبي الكريم، نهضة تنظر للماضي بعين التعلم والسخرية معًا، قابضين على جمرة الماضي التليد لا الوئيد، وماضين في الطريق بشعلة العزيمة يُعبدون طريق الواقع العراقي أمنيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، بأجيال تدرك معنى اللُحمة الاجتماعية والوطنية، والوفاق الوطني المتعالي على كل الصغائر والاختلافات، والمتماسك المتمسك بقبضة الإصرار على معنى وقيمة الوطن الذي يُدعى العراق، عراق العزة والإباء والأمن والبناء والازدهار، قارئين لتحديات الحاضر و وراسمين مسارات المستقبل والانطلاق فيها.
أحد هؤلاء الرجال الوطنيين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي طرح برنامجًا حكوميًا، يؤسس لبناء عراق جديد وأقوى عزيمة بعناوين بارزة، وفهم لمتطلبات الوطن ونهضة العراق من تنمية مستدامة، تشمل جميع مناحي الحياة من تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات الاجتماعية، وتشجيع الاستثمارات، والتركيز على تطوير القطاعات الرئيسية مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، وتوجيه الأجيال القادمة من الشباب نحو التعليم والابتكار، ولتحقيق هذه الأهداف الكبرى، كان لابد أن تكون هناك إجراءات نافذة مثل مكافحة الفساد، وتوفير الخدمات، والحد من البطالة، ومعالجة الفقر، وتنفيذ الإصلاح الاقتصادي، والاعتماد على القدرات والكفاءات، وبناء مؤسسات الدولة وإبعادها عن المحاصصة السياسية، وإعطاء الأولوية لبناء القدرات، والاستثمار في المستقبل. ليكون محمد شياع السوداني قائد السفينة وفنار شواطئ الأمان، صاحب الرؤية والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، الملتزم بخدمة الشعب وتحقيق مصالحه، فمنذ تولي محمد شياع السوداني منصب رئيس الوزراء في أكتوبر 2022، شهد العراق ثمار جهوده الملموسة لتحقيق التقدم والاستقرار بحكومة واعية، وذات طموح لا يتوقف، شاملا جميع الملفات من الصحة والتعليم والاقتصاد والبنى التحتية، وتعزيز قدرات الاقتصاد، وتوطيد العلاقات مع الخارج على مستوى الأشقاء وإقليميا ودوليا، وتعظيم الجهود مشتركة نحو رؤية مستدامة للتنمية، فكانت العلاقات الثنائية عنصراً حاسماً في هذا النهج الجديد، القائم على خطوات عملية لتطوير شراكات هادفة للوصول إلى نتائج ملموسة تؤدي إلى تحديد الأهداف والمصالح المشتركة ورسم خريطة طريق أدت لتوقيع الاتفاقيات الدائمة أو مذكرات التفاهم الثنائية. ونتيجة لهذه الجهود، يتمتع العراق الآن بعلاقة متينة مع الشركاء على المستوى الإقليمي والدولي، ويرى بالفعل فوائد هذا النهج في صورة أمن واستقرار بات يتمتع بهما، وقد كان لي شرف جم بلقاء هذا القائد ورئيس الوزراء الوطني محمد شياع السوداني الذي أكد حرص العراق على توطيد العلاقات مع مصر وترسيخ الشراكة معها وتسهيل كل السبل لتعزيز هذا التعاون خاصة في مجال إعمار العراق، للاستفادة من التجربة المصرية في المجالات المختلفة، وهو ما يأتي اتساقا مع حرص وتأكيد الرئيس السيسي في كل محفل، بضرورة إمداد ومساندة العراق الشقيق بكل خبرة ممكنة ودعم إعماره وبنائه في المجالات كافة، فأُبرمت اتفاقيات التعاون في مجالات البترول والثروة المعدنية وغيرها، وتوقيع مذكرات التفاهم للتعاون والتدريب وتبادل الخبرات في مجال العدل والقضاء، والموارد المائية والري، والطرق والجسور، والإسكان والتشييد، والاستثمار.
وحتى تكتمل الصورة الملهمة لبلاد الرافدين بعزها ومجدها وفخرها، فإن أمن البلاد يأتي في مقدمة الأولويات التي تضمن استتباب الأمر وتضمن سلامة الطريق لتحقيق كل ما سبق، وليبرز هنا دور جيش العراق وقائده ثابت العباسي، وزير الدفاع رجل المهام الوطنية الكبرى، الذي جاء في مرحلة مهمة خاصة في ظل تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار بالمنطقة، وفى ظل الظروف والتحديات الراهنة مع خروج قوات التحالف، والإصرار على انتهاء مهمتها، بل وتحولها إلى عامل لعدم الاستقرار في البلاد، ومهددا بجرها لدائرة الصراع الإقليمي، وتأكيده بأن الجيش العراقي على أتم الاستعداد لانسحاب قوات التحالف الدولي وتولي الملف الأمني البلاد بالكامل، خصوصًا بعد الخبرة التي اكتسبتها القوات العراقية من قدرات متقدمة في مكافحة ودحر الإرهاب، والتعامل مع التهديدات الأمنية والقضاء عليها، وتأكيده في هذا الصدد المهم خلال لقائه الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة، أثناء زيارته مصر اعتزازه بعلاقات الشراكة التي تربط القوات المسلحة المصرية والعراقية، والحرص على تعزيز أوجه التعاون بمختلف المجالات العسكرية. ليأتي ثابت العباسي وعلى كاهله مسئوليات كبرى، استكمالا لمسيرة دحر الإرهاب، إلى دحر أي تهاون بقدرات العراق أي تفكير في تقويض أمنه وسلامته، ومؤكدًا أنه متمسك بنجاح الدولة العراقية ومساندًا لها متخذا جميع التدابير والأسباب المؤدية لهذه النتائج، من خلال تعزيز وضع الجندي العراقي وكل من يلتحق بشرف الخدمة العسكرية مدافعا عن هذا الوطن.
والقدوة العسكريّة المميزة الفريق الأول الركن عبدالامير رشيد يارالله رئيس أركان الجيش، يلهم ويحفز الجنود لتحقيق الإنجازات العظيمة والتفاني في خدمة وطنهم بكل فخر وشرف، وركز جهوده في بناء جيش مثالي وتعزيز الثقة بالنفس للجندي وهو أمراً لا غنى عنه بالتدريب الشامل مما يساهم في تعزيز الاستعداد والقدرة على مواجهة التحديات بكل ثقة، مما يجعل الجيش جاهزًا لحماية الوطن ومواجهة أي تهديد بكل حزم وبسالة.
كما يبرز في هذا المقام الوطني المهيب أمين السر العام لوزارة الدفاع العراقية، الفريق قوات خاصة الركن أحمد داود سلمان، الذي يُعد بمثابة الدينمو الذي يعمل ليل نهار، والذي أكد بالقول والفعل أنه تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في تنفيذ مهامّه بما يخدم المؤسسة العسكرية العريقة، إذ ولد ونشأ كجزء أصيل من تاريخ العراق، مجسدًا التزاما عميقا بحماية سيادة البلاد وضمان رفاهية مواطنيها، الأمر الذي يعكس مساره المهني وسعيه الحثيث نحو التميز، مدفوعاً بشعور الواجب والإخلاص لشعب العراق، متخذًا من ثقافته الرفيعة المتجذّرة في هذا التاريخ درعًا معنويًا يتناسب وهذا الظرف التاريخي الحافل بالبناء، وبما يعكس أسلوب قيادته فهماً دالًا بأن قوة الأمة لا تكمن في القوة العسكرية فحسب، بل أيضاً في الحرص الدائم على الحفاظ على التراث الثقافي للوطن وتعزيزه وإبرازه والاحتفاء به، بما جعله محبوبا في قلوب الكثيرين الذين يعتبرونه سفيرا حقيقيا لهُويتهم الوطنية. والفريق شوان مظهر راوندوزي نائب الأمين العام، الذي يتمتع بمظهر ينم عن قيادة وثقة، حيث أثبت نفسه كقائد متميز ومخلص لمهمته، ويتميز بالتفاني في خدمة الوطن.
إن محمد شياع السوداني ورجاله، هم رجال العراق الذي نطالعه الآن واثق الخطوة يمشي بحنكة واقتدار وشرف ووطنية، كقوة محركة للتقدم والازدهار، ملتزمين بخدمة الشعب وتحقيق أهداف البلاد، التي خطت مع هذه الحكومة خطوات واسعة، ووثبت بكل ثقة في اتجاه إعادة البناء القويم لبلاد الرافدين، والاستمرار في الاتجاه الصحيح كما يرغب شعب العراق الأبي وكل شعوب الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *